الشَّرَفُ لَيْسَ مُؤَنّثًا

الشّرف ليس مُؤنّثًا فقط، وليس لِلذُّكور نَصيب منه، بل إنّه مفهومٌ شاملٌ يُدْخِل الجِنْسَيْن تحت مِظَلَّته، ولا يجوز الخروج عنه مُطْلَقًا، الشَّرف ليس لواءً تحمله المرأة، وينبغي عليها الحفاظ عليه وحدها. شَرَفُكَ في ذاتِكَ، أفعالك تحمل بعضًا من الشَّرف والنُّبل أو تتلوّث بالخِسَّة والنَّذالة. شرف الإنسان يخرج مِن مَسَام جِلْده كلَّ لحظة ليتجوّل بين البشر عائدًا بمضمونٍ واحد وعنوانٍ مُختصَر يُخبرنا بمدى حفاظه على الشّرف من عَدَمِه.

المظهر الخارجيّ لا يُوحي بالنَّزاهة والأخلاق، فالشّرف لا يقبع خلف مِتْرِ قُماشٍ زائد، أو طول شَعْرِ اللِّحْيَة، فبعض الرِّجال يتسَتَّرُون بالنِّقاب، لا ينتمون لِدِينٍ أو وطن ويتَّخِذُونه لِلتَّخَفِّي عن أَعْيُن السُلُطات لِتَنْفيذ جرائم يُعاقب عليها القانون، ثم يلوذون بِرِدَاءٍ أسود فَضفاض هَرَبًا من العقاب المُتَرَبِّص بهم، كما أنَّ بعض أصحاب اللِّحى يَسْتَحِلُّون كثيرًا من المُحَرَّمات، فهذا الموظّف المُرْتَشي الّذي يذهب لصلاة الظُّهر أثناء دوامه وقطرات الماء تُبَلِّلُ لِحْيَتَهُ، يُهَرْوِلُ بحذاءٍ بلاستيكي خفيف مُهْتَرِئ للِّحَاق بصلاة الجماعة، لا يستحي من الله الَّذي يقف بين يديه تَضَرُّعًا وخيفة، من أن يُعَطِّلَ مصالح النَّاس في انتظاره، ولا من “فتح الدرج”، وتَقَبُّل الرَّشاوى بِمُسَمَّياتٍ يعجز إبليس نفسٍه عن اختراعها.

كيف لنا أن نصف مثل هذا السُّلوك ولو كان صاحبُه ظاهرُه التَّقوى، وبَاطِنُه تَقبُّلُ الرَّشوة! دائمًا ما أسمع مقولة “شرف المرأة”، لكنَّنِي لم أسمع أبدًا عن شرف الرَّجُل، وأتساءل في تعجُّب، هل الشَّرف أُنْثَوِيٌّ غيرُ قابِلٍ للتَّذْكير، وماذا يُسَمَّى شَرَفُ وَعِرْضُ الرَّجُل؟ هل خطيئة المرأة جريمةٌ وخطيئة الرَّجُل مُجَرَّدٌ نَزْوَةٍ أو علاقةٌ عابِرة، أم أنَّ كِلَيْهِما إنسانٌ يجب أن يُحَاسَبَ على جميع تصرُّفاتِه دونما تَمييزٍ لصالح أفكار ذُكورِيَّة تُغَذِّيها تربيةٌ عَقيمةٌ أطاحَتْ بِأَحَقِّيَّةِ الفَرْدِ في حياةٍ سَوِيَّةٍ، مُتوازِنَةٍ في الحقوق والواجبات.
كما أنَّ هناك امرأة شريفة فأيضًا يوجد رَجُل شريف، والعكس صحيح، فكلمة "امرأة غير شريفة" يقابلها "رجل غير شريف" ، الخيانة فِعْلٌ مُشْتَرَك مُتَحَرِّر من هرمونات الأنوثة أو الذُّكورة الّتي ينثرها البعض في طريق الجريمة الشَّائنة وتجريدها من ذكوريّتها وحَصْرِها في نُونِ النِّسوة وحدهنّ، لِتَبْرِئَة أيِّ طرف لا يحمل هرمونات مُطابقة لِمُواصفات المجتمع الأَحادِيّ النَّظْرة.
لا أقبل أيّ تحليل أو وجهة نظر لِتَأْنِيثِ الشَّرف والحفاظ عليه، غيرَ اعترافٍ صريحٍ من الرَّجُل بأهميَّة النِّساء وقُدْرَتِهنَّ على أنْ يَكُنَّ الحارِسَ الأمين على شرف المجتمع من التلوُّث بقاذورات الفِكر المُتَعَفِّن، ولا أقصد بالشَّرف ما يَمَسُّ الجسد ، لا مُطْلَقًا، النَّظرة أعمق وأشمل من هذا بكثير.
القاضي الَّذي يقبل بأن يُغيِّر مجرى قضيّةٍ لِصَالح ذي سُلطان، أو رجل أعمال، أو يستجيب لمكالمة هاتفيّة من صديق قديم لِيُصْدِرَ حُكْمًا يُجافي الحقيقة، يُقدِّمُ العدالة قُربانًا لِرَأْبِ صَدْعٍ في علاقة مُتَهَدِّمة و”يركن” ضميره وشرفه المِهَنِيّ جانِبًا، بماذا يُسَمَّى؟

المُدَرِّسُ الَّذي يُفَتِّشُ في جيوب تلاميذه وأولياء أمورهم لِرَفْعِ مُستواه المعيشي ببعض جنيهات تنقله من خانة مُتَوَسِّطي الحال إلى قائمة الأثرياء، أيُّهم في هذه الحالة إن كان رَجلًا أم أُنثى أم إنّ الجميع في الجُرم سواء؟ وهل كان من الأحرى به تدريس أبنائه الطلبة قِيَمًا تُرَسِّخُ لمفاهيم تستطيع البقاء وسط تَغُيَّرات الحياة، عِوَضًا عن جُنَيْهاتٍ لن تبقى في جيب بِنْطاله ليلة واحدة؟ هل من الأفضل له حفر صورته وَذِكْراه في قلوب أبنائه حتَّى إذا رَأَوْهُ انحنوا إجلالًا وتقديرًا، بدلًا من لَعْنِه ليل نهار؟
وهذا الطَّبيب الَّذي يترك الألم يفتك بالمريض، ينتشر في جسده، كالحائر الّذي لا يملك مِقْعدًا يَسْتَقِرُّ فوقه فَيَظَلُّ مُتَرَنِّحًا في الحافلة مع ضربات المكابح المُؤلمة، لا يُقَدِّم عِلاجًا لمريضه دون أن يملأ أَهلُهُ خزانةَ المُستشفى، بأجر الطّبيب، مستلزمات الجراحة، أدوية، ومطالب كثيرة تُثْقِل كاهِلَ أيَّ إنسان، قد يموت صمتًا دون أن يطلب علاجًا يُكَلِّفُه ما لا يطيق، وقد يتأخَّر تقديمَ العلاج من أجل المال حتى تفارق الرّوحُ الجَسَدَ المُتْعب، بماذا يوصَفُ هذا الطّبيب الّذي حَوَّلَ الطِّبَّ من كَوْنِهِ رِسالَةً لِمُجَرَّدِ تِجارة؟ أين هو مِنَ الشَّرَف؟ وأين الشَّرَفُ منه؟ هل نسأل في تلك الحالات مَنْ يَحْمِلُ لِوَاء الشَّرَف، ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ وهل هذه الأفعال لا تتَّصِلُ بِالشَّرف؟

الكاتبة : رابعة الختام
المصدر: alarab.co.uk العرب