الحنّاء تقتل نساء ليبيا

في ليبيا، لم تعد الحنّاء تؤدّي وظيفتها التّجميليّة فحسب، بل باتت تتسبّب في قتل نساء، بسبب الموادّ السّامّة الموجودة فيها. وما حصل للبعض ليس مجرّد حوادث فرديّة

قبل فترة، توفّيت نجلاء أبو بكر، البالغة من العمر 38 عامًا، فور وصولها إلى مستشفى طرابلس المركزيّ. آنذاك، أعلن الأطباء أنّها توفيّت بسبب هبوط مفاجئ في الدّورة الدمويّة.
ويقول طبيب في مركز طرابلس الطّبّي، أحد أكبر مستشفيات العاصمة، لــ "العربي الجديد": "تبيّن أنّ نجلاء توفّيت بسبب الموادّ السّامّة في الحنّاء"، مضيفاً أنّها ليست الحالة الأولى في طرابلس. يتابع أنّه على مدى السّنوات الماضية، يمكن القول إنّ ثماني نساء على الأقلّ توفّين للسّبب نفسه، لافتًا إلى أنّه "على الرّغم من خطورة هذه الظّاهرة، لم تهتمّ وزارة الصّحّة كما يجب".

يضيف الطّبيب الّذي رفض الكشف عن إسمه أنّ مستشفيات الزّاوية ومصراته والسّبيعة، وهي كبرى مستشفيات غرب ليبيا خارج العاصمة، لا تضمّ إحصائيّات حول عدد الوفيّات.

وحذّرت وزارة الصّحّة التّابعة لحكومة البرلمان شرق البلاد من الموادّ الكيميائيّة المستخدمة في الحنّاء، والّتي تؤدّي إلى حالات تسمّم ووفاة. وأضافت في بيانها أنّ عدد المتوفّيات بسبب التسمّم النّاتج عن استخدام الحنّاء بلغ في شرق البلاد 55 حالة منذ عام 2011 ، لافتةً إلى أنّها في صدد تنظيم ورش عمل وحملات توعية في المدن الشّرقيّة للحدّ من استخدام نبات الحنّاء...
وفي خطوة أخرى، كلّف مركز الخبرة القضائيّة والبحوث التّابع لوزارة العدل في حكومة البرلمان، لجنة علميّة مؤلّفة من عدد من الأطبّاء والخبراء، بإعداد تقارير بناء على دراسات معيّنة لتحديد نوع الحنّاء الّتي تحتوي على موادّ كيميائيّة سامّة قد تودي بحياة الفتيات والنّساء اللّواتي يستخدمنها.

وفي أولى تقارير اللّجنة، الّذي نشرته على صفحتها الرّسميّة، أكّدت وجود مادّة سامّة تُضاف إلى بعض أنواع الحنّاء في الأسواق اللّيبيّة، بهدف تكثيف لون الحنّاء، ما يؤدّي أحيانًا إلى توقّف مفاجئ في الدّورة الدّمويّة، وبالتّالي الوفاة خلال ساعات.

وتقول رئيسة اللّجنة العلميّة المكلّفة إنّ التّقارير المنشورة، والّتي قدّمت إلى الجهات القضائيّة والصّحّيّة، نتجت عن دراسة حالات وعيّنات من غالبيّة المراكز الصّحّيّة في شرق البلاد. وتوضّح أنّ دراسات لجنتها كشفت عن وجود مادّة "بي بي دي" في بعض أنواع مساحيق الحنّاء الّتي تباع في الأسواق اللّيبيّة، بنسبة تزيد عن 20 في المائة. ويفترض، بحسب المعايير العالميّة، ألّا تزيد نسبتها عن 6 في المائة، ليس في الحنّاء فقط، بل في مختلف أنواع الصّبغات التّجميليّة.

تضيف المهدوي: "كشفت دراستنا عن المزيد من المخاطر المتعلّقة بالحنّاء. يتعدّى الأمر الموادّ الممزوجة بمسحوق الحنّاء إلى مواد أخرى تُباع في محال العطارة، مثل جاوي الحنّة وسائل السراتيه". تتابع أنّ الأمر بات أكثر خطورة، خصوصاً أن محال التّزيين النّسائيّة قد تستخدم الحبر الّذي عادةً ما يستخدم في الطّباعة، وتُضيفه إلى مسحوق الحنّاء، ليعطي لوناً داكنًا خلال فترة قصيرة. وتوضح أن "جميع العيّنات التي أُجْرِيت دراسات حولها تُبيّن أن نسب المواد السّامّة في المساحيق المختلفة عالية جدًا، وتفوق خطورة تلك الموادّ السّامّة الممزوجة بمساحيق الحنّاء، والتي تباع في الأسواق".

وعن أعراض ومضاعفات الحنّاء القاتلة، يقول طبيب في مستشفى طرابلس المركزيّ إنّه بعد التّحذيرات المُتتالية من خلال وسائل الإعلام، وردت حالات إلى المستشفيات تُبيّن أنّ الأعراض تبدأ بضيق في التّنفّس. وإذا زاد الأمر حدّة، تظهر علامات توسّع حدقة العين، ما يشير إلى حصول مضاعفات في الدّماغ.

يضيف: "لم تخضع الحالات الواردة حتى الآن لدراسة مستفيضة يمكن من خلالها متابعة مراحل مضاعفاتها. إلّا أنّ غالبيّة الوفيّات حدثت بسبب سكتة قلبيّة، ما يشير إلى أنّ السّموم تصل إلى الكبد". يضيف أنّ حدوث مشاكل في الدّماغ قد يؤدّي إلى سكتة قلبيّة، موضّحًا أنّه إذا ما أثّرت السّموم على عضلة القلب، تصير هناك مشكلة في ضخّ الدّماء إلى الجسم، ما يؤدّي إلى سكتة أو توقّف مفاجئ للدّورة الدّمويّة. ويلفت إلى أنّ اختلاف الاستجابة لانتشار السّموم يتعلّق بمساحة الجسم المغطّاة بالحنّاء، أي اليدين فقط أو الرّجلَين أيضًا.

من جهتها، تقول المهدوي إنّ اللّجنة العلميّة حوّلت تقاريرها إلى مركز الخبرة والحكومة لتعميمها على وزارات الصّناعة والجهات المتخصّصة بمراقبة الأسواق والمحال التّجاريّة، خصوصًا محال التّزيين الخاصة بالنّساء. وتضمّنت توصيات تتعلّق بالتّوعية المجتمعيّة حول مخاطر استخدام الحنّاء والحدّ منها.

تجدر الإشارة إلى أنّ الفراعنة كانوا يستخدمون الحنّاء منذ القدم لأغراض شتّى، وصنعوا من مسحوق أوراقها معجونة لتخضيب الأيدي وصباغة الشّعر وعلاج الجروح.

المصدر: العربي الجديد