زنوبيا

ملكة تدمر
أسطورة الطّموح والكِبرياء
حياتُها
هي زوجة "أذينة" الّذي كان له دورٌ كبير في صَدِّ هجمات الفُرس الّساسانيّين الّذين أَسَرُوا الامبرطور الرُّوماني "فالريانوس" وقتلوه. واعترافًا من الامبراطوريّة الرّومانيّة بِدَوْره، مُنح لقب "القائد العام للجيوش الرّومانيّة في الشرق" ، وراح "أذينة" يهاجم الفُرس السّاسانيّين، دفاعاً عن الامبراطوريّة الرّومانيّة مُحاولاً استعادة زمام الأمور في الشّرق لمصلحة مملكته تدمر.
قُتِل "أذينة" في ظُروفٍ غامضة وكانت تلك هي الفرصة لصعود نجم "زنوبيا" زوجته. كان ابنه "وهب اللات" حينها لم يبلغ سِنَّ الرشد، ومع ذلك أعلنت "زنوبيا" أنّ ابنها جديرٌ بِتَوَلّي الحكم تحت وصايتها، وجعلته في البدء يحمل ألقاب والده مع اعترافها بالامبراطور الرّوماني. لكنّ "زنوبيا" كانت تطمح إلى أكثر من ذلك، إذ سعت لتأسيس دولة تسيطر على التّجارة الدّوليّة من منابعها في العراق حتّى مصبّاتها في موانئ البحر المتوسّط.
وبسيطرة القوّات التّدمريّة على مصر وآسيا الصّغرى حتّى مضيق البوسفور إضافة إلى سورية، وضعت "زنوبيا" تحت سلطتها سائر منافذ طرق مواصلات طريق الحرير، إضافةً إلى تموين روما بالحبوب وغيرها من البضائع والموادّ الضروريّة لِسَدِّ حاجات روما.
وفي خطوةٍ جريئةٍ منها، سكَّت "زنوبيا" نقودًا تحمل صورة "وهب اللات" ابنها ولقب (أوغسطوس) وصورة "زنوبيا" ولقب (أوغسطا)، أي أن "زنوبيا" أسقطت سلطان روما ولم تعد تعترف بالإمبراطور الرّوماني.

وفاتُها
أمام هذا الطّموح الجامح قاد "أورليانوس" إمبراطور روما بنفسه معارك دامية ضدّ "زنوبيا" حتّى تمكّن من هزيمتها. وتضاربت الرّوايات التّاريخيّة حول نهاية " زنوبيا"، فبعض الرّوايات تقول أنّ الإمبراطور الرّوماني قام بنقلها إلى روما وجعلها تسير في موكب انتصاره مُثقلة بمجوهراتها مُقيّدة بالسّلاسل الذّهبيّة في عنقها وأطرافها، ثم عفا عنها وحدّد مكان إقامتها في إحدى ضواحي روما، بينما روايات أخرى تقول بأنّ "أورليانوس" أعدمها بعد موكب نصره، وأخرى تقول أنّها تجرّعت السّمّ خفيةً من حرّاسها، فآثرت الموت على الاستسلام لعدوّها. غابت زنوبيا واختلطت سيرتها بالتّاريخ والأسطورة.

أُسْدِل السِّتار عن قصّة ملكة اتّصفت بالكبرياء وسلكت طريق طموحٍ لا يعرف الاكتفاء، فكان طموحها في امتلاك المجد طريقًا للهوان والإذلال. كم من طُرق يسلكها الإنسان عاقبتها هلاك، كل ُّطرق الإنسان تظهر مستقيمةً في عينيه والمولى هو وازن القلوب، كلُّ مَن أخذهم الطّموح لتأسيس ممالك أسطورية، ذهبوا وذهبت ممالكهم، أصبحوا ذكرى على صفحات كتب التّاريخ ...
مَلِكٌ واحدٌ لم يَسْعَ كَمُلوك الأرض وراء طموحٍ زائل، بل جاء لِيُحَقِّق هدفًا وَاضِحًا يدوم ويبقى أثره للأبد، لأنَه أتى ليؤسس مملكةً ليست من هذا العالم، أتى ليؤسس مَلَكُوتًا رُوحِيًّا لا يعرف الزّوال. لم يحمل سيفًا ولا قاد حربًا، بل أتى ليحارب عن الإنسان وينتصر له على عَدُوِّه إبليس الّذي يسعى لهلاك البشريّة! وَضَعَ أساس مملكته ليس بسفك دماء الآخرين، بل بسفك دمه الثّمين عندما بذل حياته فِديةً عن كثيرين وتَكفيرًا عن معصيتهم! إنّه عيسى المسيح، رئيسُ السّلام الّذي صار طريق العبور من ممالك الأرض الزّائلة لِمَمْلَكَةٍ وَمَلَكُوتٍ إلَهِيٍّ أَبَديٍّ لا يزول.... والسّؤال الّذي يُطْرَحُ أمامنا: إلى أيّةِ مَمْلَكةٍ حرِيٌّ بنا أن ننضمّ؟