المظاهر الخدّاعة

المظاهر الخدّاعة

نعيش زمنًا ملوّنًا يكثر فيه "المديح" و"التّبجيل" والمجاملة، زمنًا مليئًا بالأقنعة والمظاهر الخدّاعة الكذّابة، زمنًا يتنافس فيه الرّجال والنّساء و"يتناحرون" على خدعة النّاس بمظاهرهم اللامعة البرّاقة، وبجمالهم المُصطنَع، ومقتنياتهم "النّادرة" النّفيسة، من المركبات الفخمة، ونفائس المجوهرات والذهب، والملابس الباهظة الثّمن لأفضل المصمّمين والشِّركات، والنّظّارات الشّمسيّة من أفضل الماركات العالميّة، وحياة البذخ والرّفاهيَة، وغيرها.. وغيرها؛ وهم - في الواقع - مَدينون للبنوك، محتالون "نصّابون" خدّاعون، تخنقهم الحجوزات الماليّة، لا تُحترم حَوالاتهم البنكيّة (شيكاتهم).. رصيدهم فارغ كفراغهم الدّاخليّ.. فرصيدهم الفعليّ بين النّاس لا يُقاس وفق "جمال المظهر"، فوراء هذا الجمال والقناع يظهر قبح الجوهر والتّصرّف.. فليس كلّ ما يلمع ذهبًا.

إنّ الاهتمام بالمظاهر اكتسح مجتمعنا العربيّ بطبقاته المختلفة، وسيطر على حياتنا، فلم تعد هذه المظاهر تقتصر على طبقات معيّنة من مجتمعنا، بل طاولت غالبيّته.. حتّى أصبحنا نلبس ما لا يليق بنا ونتحدّث لغةً مختلفة عنّا ونتصّرف كما يتصرّف غيرنا، مجاراةً للوضع السّائد، ومن جرّاء الغيرة والحسد والتّقليد الأعمى، بغضّ الطّرف عن الإمكانات المادّيّة المُتاحة أمامنا، ما قد يدفع بنا إلى الهلاك.. فلماذا يجب أن تخدعنا المظاهر الكذّابة؟!
وقد أكّد علماء النّفس إلى أنّ محبّي المظاهر يعيشون في قلق وتوتّر دائمين، تسيطر على حياتهم التّعاسة وتلفّهم الهموم؛ لأنّهم "يقدّسون" المظاهر، يراقبون الغير، ويهتمّون بالقشور التّافهة فقط، وينسون الجوهر، فينشغلون عن المعنى الحقيقيّ للحياة.

نحن نلهث، أحيانًا كثيرة، وراء الأشياء البرّاقة اللامعة، معتقدين أنّها من النّفائس، لنكتشف - لدى اقترابنا منها - أنّها مجرّد قطع معدِنيّة زائفة لا قيمة لها، كعدد كبير من الأشخاص المُفلسين التّافهين المزيّفين الّذين يعتقدون - بكّل غباوة - أنّ مستوى وقدْر وقيمة الإنسان وجماله تُقاس بالمجوهرات والمركبات والمنازل وعمليّات التّجميل. ناسين أو مُتناسين أنّ الإنسان يُقاس بأخلاقه ومبادئه وتصرّفاته وجمال روحه وحسن تعامله وصدقه مع الآخرين.. من دون أن "يتجمّل" بمظاهر خارجيّة خدّاعة، لامعة برّاقة.. وما أكثر هؤلاء!

كثيرون يلجأون للحصول على قروض بنكيّة، لا لسدّ عجز في البنك أو رمق جوع الأولاد أو دفع الأقساط المدرسيّة الباهظة أو دفع ديون متكدّسة، فهذه أمور "تافهة"!! لأنّ الأهمّ - حسَب رؤيتهم الضّيّقة - هو "الإرتقاء إلى مستوى" فلان أو علّانة، وشراء أحدث مركبة، وأثمن جوهرة، وإجراء عدد من عمليّات التّجميل.
يجب ألا تخدعنا، بعد اليوم، هذه المظاهر الخارجيّة البرّاقة الخدّاعة؛ لأنّ اللّمعان والبريق والجمال الحقيقيّ يأتينا من الدّاخل ليشعّ إلى الخارج. وهذا ما نصبو إليه - إلى مجتمع مختلف لا متخلّف، يتعلّق بجواهر الأمور لا بقشورها. يجب ألّا تخدعنا المظاهر فعلًا، فهدوء المقابر لا يؤكّد بأنّ جميع الموتى ينعمون في الجنّة!
الكاتب : مطانس فرح
http://www.alarab.com